لعل من أحد أهم مفاهيم التربية الحديثة التي برزت وتطورت بشكل ملحوظ مؤخراً هي اللعب ودوره في تطور الطفل ونموه السليم وتكوين شخصيته المتميزة. اعتدنا قديماً أن نقلل من أهمية اللعب التربوية إذ لطالما اعتبر اللعب مضيعة للوقت وتبديداً للجهد الذي من الخير أن يبذله أبناءنا في التعلم والدراسة. لذلك نجد أن التربية القديمة كانت تنهى عن اللعب وتحاول جاهدة إبعاد التلاميذ عنه. أما في عهدنا الحالي، عهد التربية الحديثة، فقد اعتمد اللعب بشكل أساسي في مختلف المناهج التربوية كأهم الوسائل التعليمية في جميع مراحل التعليم. وقد أثبتت هذه الوسيلة جدارتها من خلال المساعدة في فهم وترسيخ المفاهيم التعليمية في أذهان التلاميذ.
حيث يعتبر لعب الأطفال من الأمور المهمة التي تعمل على تنشيط الذاكرة، كما أنها رياضة روحية بالنسبة له تساهم في نمو قدراته الحركية والنفسية والذهنية، وتعمل على اكتمالها خصوصًا عندما تكون طريقة اللعب مناسبة للطفل من حيث العمر والجنس ونوعية اللعب.
سنقوم هنا بذكر بعض الفوائد التي يحصل عليها الطفل نتيجة اللعب والتي أهمها التالي:
- اللعب الخارجي والذي يكون خارج حدود المنزل، وأغلبه يكون في الأماكن العامة التي من خلالها وعن طريق اللعب يستكشف الطفل البيئة التي تحيط به. وبالتالي يتعلّم الكثير منها من خلال رؤيته للأشياء ومن خلال ملامستها فتزداد لديه الخبرات الحياتية التي يكتشف من خلالها مواهبه الخاصة، فيعمل بالتالي على متابعتها والتعامل معها حسب ما يحصل من خبرات عن طريق اللعب في البيئة العامة.
- يعمل على تفريغ الطاقات المختزنة لدى الطفل، وخصوصًا الطاقات الخاصة التي تكون داخله ولا يستطيع التعبير عنها وتوظيفها بالمكان المناسب. إلا أنه من خلال اللعب يكتشف الطفل تدريجيًا الأماكن المناسبة لتفريغ تلك الطاقات، والتي تساعده على حلّ المشاكل التي قد تواجهه أثناء اللعب. هذا يجعل منه طفلًا يعتمد على نفسه وعلى قدراته في القيام بالأعمال.
- اللعب له دور أساسي بالنسبة للطفل من حيث إمكانية اتخاذ أي قرار، وكذلك في الابتكار والإبداع. يستطيع الطفل عندما يقوم بترتيب ألعابه من زيادة نسبة الانتباه لديه ليتذكّر الأماكن المخصّصة لكل لعبة، وطريقة الاحتفاظ بما لديه من ألعاب وكيفية تزيينها وإضافة لمسات خاصة، فيشعر أنها له. كل هذه الأمور تعزّز ثقة الطفل بنفسه وتزيد من نسبة انتباهه، فيتعلّم القدرة على الابتكار والاختراع، وبالتالي يكون طفلًا مبدعًا.
- يعمل على تمكين الطفل من أن يكتشف نفسه وقدراته على فعل الأشياء، كما ويكتشف قدراته الجسدية من خلال حركة أعضاء جسمه، فيعرف متى يستطيع استخدام يديه أو قدميه ورأسه أثناء اللعب . هذا يساعد على التوازن والتوافق بين العمل واللعب واختيار الوقت المناسب للنشاط الذي يرغبه الطفل.
- وجود الطفل وسط ألعابه يمكّنه من التعبير السليم عن ذاته وعن مدى حاجته للأمور الخاصة، كما ويجعل ذلك التواجد فرصة كبيرة للطفل لتوجيه الأسئلة والاستفسارات وإثارة التساؤلات خصوصًا الهادفة منها، نتيجة قربه من الألعاب. بالإضافة إلى تعريف الطفل على الأدوات التي حوله وطريقة استخدامها بطرق مختلفة.
- للعب دور كبير في منح الفرصة للطفل للتعبير عن مشاعره وعن عواطفه، خصوصًا إن كان الطفل لا يستطيع التعبير بالكلام. هذا يساعده على التحكّم في الانفعالات والتعبير عمّا يفكّر به بكل توازن مما يُشعِره بالنجاح. لهذا دور كبير في تعليم الطفل وتدريبه على تقبّل الفشل كما يتقبّل النجاح أيضًا، كما ويصبح قادرًا على التأقلم مع ذلك الفشل على أنه أمر طبيعي وقابل للتغيّر نحو الأفضل.
- مفيد في إقامة العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، وبناء الذكاء الاجتماعي لدى الطفل. كما ّيتعلّم الطفل من خلال اللعب كيفية المحافظة على الممتلكات العامة والاهتمام بها وتدريبه على الاتجاهات الذاتية الصحيحة في التعامل مع الأمور.
كل هذه الأمور وغيرها لا تغني عن أهمية دور الوالدين في بناء الصحّة النفسية والشخصية القوية للطفل من خلال اللعب معه، لأن الطفل يتعلّم الكثير من الأشخاص الذين يثق بهم. لذلك فإن وجود والديه واللعب معهم أمر مهم جدًا.